المحتوى
على مدى أكثر من مئة عام، أجرى العلماء والباحثون دراسات مستفيضة حول العلاقة بين الذاكرة والنوم. وفي الوقت الراهن، يتفق الجميع على أن تحسين الذاكرة الذي يتضمن حفظ الذكريات المهمة والتخلص من المعلومات غير الضرورية يحدث خلال مرحلتي نوم حركة العين غير السريعة (NREM) وحركة العين السريعة (REM).
تشير الأبحاث الحديثة أيضًا إلى أن نقص النوم أو الإفراط فيه يمكن أن يؤثر سلبًا على جودة النوم ليلاً، مما ينعكس على معالجة الذاكرة والعمليات الإدراكية الأخرى. إذ لا يقتصر دور النوم الجيد على تعزيز صحتنا البدنية، بل يسهم أيضًا في تشغيل أدمغتنا بشكل فعال. لذا، فإن الحصول على القدر الكافي من النوم كل ليلة يعد خطوة أساسية لتعزيز قوة ذاكرتنا.
ما هو دور النوم في تعزيز الذاكرة؟
تلعب العلاقة بين النوم والذاكرة دورًا مركزيًا في تحسين قدرتنا على التعلم. فالنوم الجيد لا يساعد فقط في معالجة المعلومات الجديدة، بل يسهم أيضًا في دمج هذه المعلومات في ذاكرتنا، مما يجعل من الممكن تخزينها بشكل فعال في عقولنا.
تتكون دورة النوم لدى البالغين الأصحاء من أربع مراحل متميزة. تبدأ المرحلتان الأوليتان بنوم خفيف بدون حركة العين السريعة، بينما تأتي المرحلة الثالثة كنوم عميق، يُعرف أيضًا بـ”الموجة البطيئة”، والذي يحدث أيضًا بدون حركة العين السريعة. هذه المراحل الثلاث تهيئ عقلنا لاستقبال المعلومات الجديدة في اليوم التالي. وقد أظهرت الدراسات أن نقص النوم أو عدم كفايته يمكن أن يقلل من قدرات التعلم بنسبة تصل إلى 40%.
أثناء مراحل النوم غير السريع، يقوم الدماغ بفرز ذكريات اليوم السابق، حيث يقوم بتصفية المعلومات المهمة واستبعاد ما هو غير ضروري. مع بدء الدخول في النوم العميق، تصبح هذه الذكريات أكثر وضوحًا، وتستمر هذه العملية خلال مرحلة النوم السريع. وفي هذه المرحلة، تُعالج أيضًا الذكريات العاطفية، مما يساعد على التعامل مع التجارب الصعبة.
تحدث معظم الأحلام أثناء نوم حركة العين السريعة، حيث ينقل المهاد في الدماغ إشارات من الحواس الخمس إلى القشرة المخية، المسؤولة عن تفسير المعلومات ودمجها في ذكرياتنا. بينما يكون المهاد أقل نشاطًا خلال مراحل النوم غير السريع، إلا أنه يصبح نشطًا خلال النوم السريع، حيث ينقل الصور والأصوات والأحاسيس الأخرى إلى القشرة المخية، مما يؤدي إلى تكوين أحلامنا.
كيف يؤثر نقص النوم على وظائف المخ والذاكرة؟
يعاني الأشخاص الذين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم من آثار سلبية تؤثر على وظائف المخ والذاكرة. من أبرز هذه الآثار صعوبة تذكر المعلومات، حيث إن المخ يحتاج إلى وقت كافٍ لإنشاء مسارات جديدة للمعلومات التي تم تعلمها حديثًا. الحرمان من النوم يؤثر أيضًا على القدرات المعرفية الأخرى، مثل التعلم والتركيز، وكذلك مهارات اتخاذ القرار والتحكم العاطفي والسلوكي.

عوامل النوم المثلى تختلف باختلاف الفئات العمرية، حيث يتبين أن الأطفال يتمتعون بقدرة أكبر على تعزيز الذاكرة بعد ليلة نوم جيدة. لكن من المهم أيضًا ملاحظة أن النوم المفرط قد يؤدي إلى ضعف الإدراك. لذلك، يجب على الجميع السعي للحصول على القدر المناسب من النوم ليلاً.
جدول توضيحي: تأثير الحرمان من النوم على وظائف المخ والذاكرة
صعوبة تذكر المعلومات | عدم قدرة المخ على إنشاء مسارات جديدة للذكريات. |
صعوبة التعلم | انخفاض القدرة على استيعاب معلومات جديدة . |
انخفاض التركيز | صعوبة في الانتباه والاهتمام بالتفاصيل . |
ضعف اتخاذ القرار | تراجع القدرة على اتخاذ القرارات السليمة . |
ضعف التحكم العاطفي | صعوبة في إدارة العواطف والتفاعلات السلوكية. |
توصيات النوم بناءً على العمر:
طفل رضيع (4-12 شهر) | 12-16 ساعة |
طفل صغير (1-2 سنة) | 11-14 ساعة |
مرحلة ما قبل المدرسة (3-5 سنوات) | 10-13 ساعة |
سن المدرسة (6-12 سنة) | 9-12 ساعة |
مراهق (13-18 سنة) | 8-10 ساعات |
بالغ (18 سنة وما فوق) | 7 ساعات أو أكثر |
تظهر الدراسات أن جودة النوم تتدهور مع تقدم العمر، حيث يتم إنتاج موجات بطيئة في منطقة القشرة الجبهية الأمامية الوسطى. مع تقدم العمر، تضعف هذه المنطقة، مما يجعل كبار السن يعانون من نوم أقل جودة وصعوبة أكبر في معالجة الذكريات. لذا، من الضروري الاهتمام بجودة النوم للحفاظ على صحة الدماغ والذاكرة.
علاقة انقطاع التنفس أثناء النوم وفقدان الذاكرة
يلعب النوم دورًا حيويًا في تشكيل الذكريات وترسيخها، ولكن بعض اضطرابات النوم، مثل الأرق، ترتبط بمشكلات في الذاكرة. الأرق، الذي يُعرف بأنه صعوبة مستمرة في بدء النوم أو الاستمرار فيه، يمكن أن يؤدي إلى تدهور الوظائف الإدراكية خلال النهار، بما في ذلك انخفاض القدرة على تذكر المعلومات. بالإضافة إلى ذلك، فإن اضطرابات النوم التي تسبب النعاس المفرط خلال النهار، مثل الخدار، قد تؤدي أيضًا إلى فقدان الذاكرة.
أحد الاضطرابات التي تثير القلق هو انقطاع التنفس أثناء النوم، والذي يتميز بتوقف مؤقت في تدفق الهواء أثناء النوم. هذا يمكن أن يؤدي إلى اختناق الشخص أو الاستيقاظ المفاجئ بحثًا عن الهواء. من الأعراض الشائعة الأخرى لانقطاع التنفس أثناء النوم الشخير المفرط والنعاس الشديد خلال النهار.
يُعتقد أن أكثر من 900 مليون شخص حول العالم يعانون من انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم (OSA)، وهو شكل محدد من هذا الاضطراب يحدث عندما يعيق انسداد مادي مجرى الهواء. وقد ارتبط انقطاع النفس الانسدادي بشكل متكرر بالاكتئاب المزمن، حيث يعاني الكثير من المصابين بالاكتئاب من صعوبة في معالجة الذكريات، خصوصًا تلك المرتبطة بتجاربهم الشخصية. أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من انقطاع النفس الانسدادي يواجهون أيضًا تحديات في توطيد الذاكرة، مما يبرز أهمية معالجة هذا الاضطراب للحصول على نوم صحي وتحسين وظائف الذاكرة.